
هنالك ما يبرر الحديث عن دور ومسوؤليات الدولة والأنظمة عموما، وكل ما يقال في هذا الصدد صحيح خاصة فيما يتعلق بعجز الأنظمة الماضية عن تشييد "بنية تحتية" تستجيب للمعايير الدولية التي يمكنها النهوض باقتصاد الدولة وتنميتها .
لكن يبقى المعوًق الحقيقي للدولة الموريتانية، هو أن أغلبية المواطنين ومن جميع الشرائح وليست شريحة لحراطين وحدها، لم يستفيدوا مما وفرته الدولة من خدمات رغم النواقص، بسبب التخلف والجهل الناتج عن رفضهم أو عزوفهم على الأصح، عن التعليم.
وهذا ما يفنًد ادعاء بعض السياسيين في مرحلة معينة من تاريخ الدولة، بأن هناك شريحة بعينها هي من تعاني الغبن والتهميش والظلم ومخلفات الاسترقاق، مستخدمين تلك المصطلحات الهادفة لتمييز شريحة عن بقية مكوناته المجتمع، وللاسف تم التعاطي معهم من طرف "الأنظمة" المتعاقبة على هذا الأساس الخاطئ وغير المنصف، وكأن هنالك شرائح ليست لديها نفس المعاناة..!
لقد أنتج هذا التوجه والاعتراف به من طرف تلك الانظمة والتعامل معه من خلال الاعلام الرسمي كإطار سياسي حركة "إيرا" الشرائحية والمطالبة بعد ذلك بترخيص حزب الركَ، اللذان اصبحا اليوم يغذيان الساحة السياسية بالخطابات المتطرفة والعنصرية ويوزعونها عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، حتى وصلت إلى زعزعة الأمن والإستقرار وتشويه سمعة بلدنا في المنابر الدولية.
إن وضعية شرائح المجتمع الموريتاني واحدة ، ففي كل شريحة متعلمين وموظفين ونافذين وسياسيين ووجهاء، وكلهم يضم جهلة وفقراء وعاطلين عن العمل، ولذلك الفارق بين طبقات المجتمع لا حددها سوى المعرفة على مستوى جميع شرائح المجتمع، ولنكون أكثر وضوحًا هنالك آلاف الأسر المتعلمة من شريحة لحراطين تقف ضد خطابات بييرام وضد التطرف وكلما يمس من الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية،
كما يجب التنبيه إلى أن المشاريع والبرامج الاقتصادية الذي تقوم بتنفيذها الحكومة والتي تدخل في إطار تنفيذ تعهدات فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في غاية الأهمية حيث ساهمت في مساعدة هذه الشرائح على جعلهم في ظروف تسمح لهم بمواكبة الرّكب لكن كل ذلك رغم أهميته لا يمكن أن يكون بديلا لانخراط الاجيال الحاضرة في سلك التعليم.
وأنطلاقا من هذا الواقع الذي تم تشخيصه بطريقة موضوعية يجب أن تحترم الدولة دفتر التزاماتها اتجاه المواطنين خاصة فيما يخص توفير التعليم في أحسن ظروف على كافة التراب الوطني.. منشات، أدوات، منح، وكلما يترتب على ذلك،
بالمقابل يجب على الشرائح كل الشرائح التي تشعر بالتهميش والغبن والفقر والتخلف وعدم المساواة أن تتجه إلى طلب العلم والمعرفة من أجل التغلب على الأسباب الحقيقية لمعاناتها وذلك لكي لا يتعرض الأبناء لما تعرض له اسلافهم.
إن تعبئة هؤلاء وتوعيتهم ومساعدتهم في التوجه إلى طلب العلم واقناعهم بذلك ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل هو مسؤولية آبائهم وأمهاتهم ومسؤولية جميع أحزاب المعارضة والسياسيين والمجتمع المدني لأن إخراجهم من التدجين الذي يخضعون له منذ عقود يتطلب مجهودا جماعيا حتى يدركوا بأنفسهم أن مصلحتهم في التعليم وحده، وأي شيءٍ آخر لا يتعدى اللعب على العواطف والانتهازية السياسية ويجب التوقف عنه ونبذه إلى الأبد.
ونظرا لأن هذا المسار والتوجه يتطلب الكثير من الوقت وبعد ثلاثة سنوات من العمل الجاد حددت ملامح مستقبل التعليم، كان من الضروري وبشكل موازي الشروع في تنفيذ البرامج التنموية ذات الطابع الاجتماعي الموجه إلى هذه الشرائح التي مازالت تحتاج للمساعدة نتيجة دخلها المحدود والبطالة وغير ذلك من العقبات التي تتعرض لها.
ومن هنا يظهر أن اختيارات نظام فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كانت صائبة فيما يخص التعاطي على جناح السرعة مع معاناة المواطنين المعيشية وفي نفس الوقت تبني التعليم كخيار استراتيجي سيضمن مستقبل واعدا لشعبنا ويؤسس لبناء دولة حديثة تقوم على أسس العلم والمعرفة.
ذ/ محمد سالم ولد احمد